NEWS & INSIGHTS

الحماية القانونية للمتداولين بموجب قانون تنظيم التعامل بالأصول الافتراضية الأردني.
أقر مجلس الأمة قانون التعامل بالأصول الافتراضية[1] الذي دخل حيز النفاذ مؤخراً بعد مرور تسعين يوماً على نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 16 حزيران لعام 2025، وبموجبه أصبحت أنشطة الأصول الافتراضية مشروعة ومنظمة ومحمية بنص القانون، بعد أن كان توجه كل من البنك المركزي وهيئة الأوراق المالية هو حظر التعامل بها،[2] مما يشكل تطوراً ملحوظاً في تعامل الجهات الحكومية مع المتغيرات العالمية، تحديداً مع التسارع الذي يشهده العالم فيما يتعلق بالاقتصاد الرقمي، مما يمنح العديد من المتداولين في الأردن وتحديداً من فئة الشباب فرصة للاستثمار في هذه الأصول، والتي ستشكل ركناً جوهرياً في اقتصاد المستقبل.
أتى هذا القانون استجابة لواقع ملح تطلب تنظيم هذا القطاع حماية للمتداولين فيه، وقد وضع المشرع الإطار المفاهيمي لأبرز المصطلحات المتعلقة بهذا القطاع مستعيناً بالتعريفات المعتمدة لدى مجموعة العمل المالي (FATF)،[3] حيث عرف الأصول الافتراضية بـ:
" تمثيل رقمي للقيمة يمكن تداوله أو تحويله رقميًا، ويمكن استخدامه لأغراض الدفع أو الاستثمار، شريطة ألا يكون هذا التمثيل خاضعًا لأنظمة تنظيم العملات النقدية أو الأوراق المالية أو الأصول المالية الأخرى التي تتولى تنظيمها قوانين أخرى"[4]
حيث بموجب هذا التعريف فالأصول الافتراضية هي قيم رقمية قابلة للتداول (عبر المنصات الخاصة بذلك) او استخدامها لأغراض الدفع أو الاستثمار ولكنها ليست نقود حكومية وليست أوراق مالية مثل الأسهم أو السندات، ومن أبرز الأمثلة عليها العملات المشفرة (Cryptocurrencies) كالبيتكوين (Bitcoin) والإيثيريوم (Ethereum)، والرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) التي تمثل ملكية الفن الرقمي أو المقتنيات داخل الألعاب، أو أعمال فنية رقمية تُشترى وتُباع، وغيرها من أشكال الأصول الافتراضية.[5]
فرّق القانون بين الأصول الافتراضية من جهة والنقود الإلكترونية والعملات النقدية الصادرة عن البنك المركزي، حيث استبعد الأخيرة من نطاق تطبيق أحكامه. وتُعرَّف النقود الإلكترونية بأنها قيمة مالية مخزنة على وسائط إلكترونية، مثل البطاقات المدفوعة مسبقاً أو الهواتف الذكية، وتمثل نقوداً حقيقية يمكن استخدامها في سداد ثمن السلع والخدمات التي يحصل عليها المستهلك.[6]
بينما تعرف العملات الرقمية الصادرة عن البنك المركزي بأنها تمثيلات رقمية للعملة الوطنية، يصدرها البنك المركزي لتسهيل عمليات الدفع، وتختلف عن الأصول الافتراضية التي ينشئها القطاع الخاص. [7]
بالإضافة للتعريف، فقد نظم القانون أحكام التعامل بالأصول الافتراضية بصورة متسقة مع المعايير الدولية الخاصة بمجموعة العمل المالي (FATF)، والتي تتطلب أدوار من الحكومة تتمثل بترخيص وتنظيم مزودي خدمات الأصول الافتراضية والرقابة عليهم وعلى أنشطة الأصول الافتراضية، وضع قوانين وإجراءات لمكافحة استخدام الأصول الافتراضية في أنشطة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وكذلك تطلب المعايير من الشركات المزودة لخدمات الأصول الافتراضية تتمثل بتطبيق معايير المؤسسات المالية الأخرى في تقييم المخاطر المتعلقة بالأصول الافتراضية وتزويد المتداولين، والحصول على معلومات المرسل والمستقبل والاحتفاظ بها ونقلها بشكل آمن عند إجراء التحويلات.[8]
أوجه الحماية:
تتمثل أوجه الحماية التي أعطاها القانون للمتداولين في مجال الأصول الافتراضية بالآتي:
- اشتراط الترخيص لمزودي خدمات الأصول الافتراضية:[9]
لاشتراط الترخيص أهمية في منح المتداولين في هذا المجال حماية قانونية تحديداً في حال نشوء نزاعات، ويعزز من دور هيئة الأوراق المالية في الرقابة على القطاع [10]حماية لحقوق المتداولين فيه، وقد ميز القانون بين المتداول الذي يمارس أنشطة الأصول الافتراضية لمصلحته وبين الجهات التي تمارسها لمصلحة الغير أو نيابة عنه (مزودي خدمات الأصول الافتراضية) والتي تعد الصناديق الاستثمارية التي تستثمر في مجال الأصول الافتراضية من أبرز الأمثلة عليها، حيث اشترط القانون في مزود خدمات الأصول الافتراضية أن يكون شخص اعتباري سواء أكان أردني أو غير أردني (مثل الشركات) وأن يحصل على ترخيص من هيئة الأوراق المالية لممارسة أنشطة الأصول الافتراضية لصالح الغير، بينما حظرت على الأفراد ممارسة أنشطة الأصول الافتراضية لصالح الغير أو الترويج لها داخل المملكة أو اتخاذها مركزاً لأعمالهم.[11]
وتنطبق هذه الشروط على أي مزود خدمات تم تأسيسه في المملكة، أو له مقر عمل أو مركز لتنفيذ أعماله أو يقدم خدماته ومنتجاته لعملاء فيها.[12]وقد نص القانون على صدور نظام يبين شروط منح التراخيص وينظمها.[13]
- الرقابة الحكومية على مزودي خدمات الأصول الافتراضية:
لا شك أن للرقابة الحكومية على مزودي خدمات الأصول الافتراضية دور كبير في حماية الأفراد المتداولين في هذا القطاع، ومكافحة استغلال أنشطة الأصول الافتراضية لممارسة أنشطة غير مشروعة، وقد أعطى القانون لهيئة الأوراق المالية صلاحية الرقابة على مزودي خدمات الأصول الافتراضية، والتي تتمثل بصلاحياتها بتفتيش السجلات ذات العلاقة بعمل المزودين، والرقابة على امتثالهم لمتطلبات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل، وكذلك الرقابة على قيام مزودي خدمات الأصول الافتراضية بتقييم المخاطر الناتجة عنها وإصدار التعليمات والإرشادات الخاصة بذلك، وللهيئة كذلك أن تقوم بإعداد تقييم لمخاطر الأصول الافتراضية وأنشطتها من تلقاء نفسها مما يساعدها في اتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة بهذا الخصوص.[14]
في سعيه لتعزيز دور هيئة الأوراق المالية في الرقابة على أنشطة الأصول الافتراضية في الأردن، اعطى القانون الهيئة سلطة التواصل مع جميع الجهات العامة والمؤسسات الحكومية لطلب البيانات والمعلومات اللازمة لممارسة مهامها، مع وجود التزام قانوني على تلك الجهات بمساعدتها، بالإضافة لذلك فقد أزال القانون صفة السرية المصرفية عن حسابات مزودي خدمات الأصول الافتراضية فيما يتعلق باستفساراتها، حيث تمتلك الهيئة السلطة للتحقق من حساب مقدمي خدمات الأصول الافتراضية وبالتالي لديها حق الوصول إلى حساباتهم المصرفية وتحويلات عملائهم، ويعد كل هذا ويُعد هذا جزءاً مهما من الإطار التشريعي الرامي إلى مكافحة الفساد وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب والجرائم المالية الأخرى التي قد تُرتكب من خلال الأصول الافتراضية.[15]
- حماية أموال المتداولين في مواجهة مزودي خدمات الأصول الافتراضية:
أعطى المشرع حماية لأموال المتداولين من خلال مزودي خدمات الأصول الافتراضية في مواجهة المزودين، فقد نص القانون على ضرورة الفصل بين أموال مزودي الخدمات وأموال عملائه واعتبر أن الذمة المالية لمزود الخدمات منفصلة عن الذمم المالية لعملائه، فلا يجوز الحجز على أموالهم أو رهنها لمصلحة دائني مزود الخدمات، ولا يجوز استخدامها لسداد ديون المزود ولا تدخل في حساب تصفيته.[16]
- حماية المتعاملين عند الدفع بالأصول الافتراضية:
منع المشرع الأردني مزودي خدمات الأصول الافتراضية أو الأشخاص من استخدام الأصول الافتراضية كوسيلة للدفع لقاء السلع والخدمات المقدمة لهم، باستثناء الأصول الافتراضية التي يوافق البنك المركزي على اعتمادها لذلك الغرض،[17] وهذا يتوافق مع اتجاه العديد من القوانين الدولية التي نظمت التعامل بالأصول الافتراضية [18] ولهذا دور في حماية العملة الوطنية والاقتصاد من أن تصبح هذه الأصول بديلاً عن الدينار الأردني، حيث أن تبني الأصول الرقمية بشكل واسع في عملية الدفع قد يؤدي إلى خلق اقتصاد موازي غير خاضع للرقابة النقدية وهذا يضعف أداء المؤسسات المالية من التدخل من خلال السياسات النقدية وتحديداً في حالات الركود الاقتصادي،[19] وهي كذلك تحمي المستخدمين من مخاطر عالية مثل تقلب أسعار الأصول، عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، الاحتيال وفقدان الأموال بسبب غياب الضمانات.
من المهم الانتباه إلى أن المشرع لم يغلق الباب بشكل نهائي أمام استخدام الأصول الافتراضية كوسيلة للدفع، بل سمح بذلك إذا قرر البنك المركزي جواز استعمال أصول محددة لأغراض الدفع، وهذا يمنح مرونة في التعامل مع المتغيرات والتطورات العالمية التي قد تسمح بظهور أصول مستقرة.
خاتمة
يمثل قانون تنظيم التعامل بالأصول الافتراضية خطوة مهمة للأردن نحو تنظيم الاقتصاد الرقمي وحماية المتداولين، إذ يمثل إطاراً قانونياً يوازن بين الابتكار، الاستقرار المالي، ضمان الحقوق وحماية الاقتصاد الوطني، ويعكس التزام المملكة بمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والشفافية، ويضع أساس لتطور قطاع الاقتصاد الرقمي في المستقبل، وفي الوقت نفسه يبقي التوعية المستمرة للمتداولين وشفافية المعلومات أحد الركائز الأساسية لضمان الاستفادة الآمنة من الأصول الرقمية.
[2] تعميم صادر عن البنك المركزي رقم 26/2/ 17282 بخصوص التأكيد على استمرار حظر التعامل بجميع أنواع العملات / الأصول الافتراضية، تعليمات لسنة 2020 (تعليمات تنظيم تعامل شركات الخدمات المالية بالبورصات الأجنبية لسنة 2020) صادرة عن مجلس مفوضي هيئة الأوراق المالية
[3] Financial Action Task Force, https://www.fatf-gafi.org/en/topics/virtual-assets.html
[4] قانون تنظيم التعامل بالأصول الافتراضية رقم 14 لسنة 2025، المادة 2
[5] ‘Digital Assets’ (Internal Revenue Service) <https://www.irs.gov/filing/digital-assets> accessed 5 October 2025
[6] النقود الرقمية” (IMF) <https://www.imf.org/ar/Publications/fandd/issues/2022/09/Digital-Money-101-explainer> accessed September 19, 2025
[7] Stanley A, “The Ascent of CBDCs” (IMF, September 2022) <https://www.imf.org/en/Publications/fandd/issues/2022/09/Picture-this-The-ascent-of-CBDCs> accessed September 19, 2025.
[8] “Virtual Assets” (Finacial Action Task Force) <https://www.fatf-gafi.org/en/topics/virtual-assets.html> accessed September 19, 2025
[9]قانون تنظيم التعامل بالأصول الافتراضية رقم 14 لسنة 2025، المادة 5/أ
[10] قانون تنظيم التعامل بالأصول الافتراضية رقم 14 لسنة 2025، المادة 6
[11] قانون تنظيم التعامل بالأصول الافتراضية رقم 14 لسنة 2025، المادة 5/أ/2
[12] قانون تنظيم التعامل بالأصول الافتراضية رقم 14 لسنة 2025، المادة 5/ب
[13] قانون تنظيم التعامل بالأصول الافتراضية رقم 14 لسنة 2025، المادة 7
[14] قانون تنظيم التعامل بالأصول الافتراضية رقم 14 لسنة 2025، المادة 6
[15] المادة 9 من قانون تنظيم التعامل بالأصول الافتراضية قانون تنظيم التعامل بالأصول الافتراضية رقم 14 لسنة 2025، المادة 9
[16] قانون تنظيم التعامل بالأصول الافتراضية رقم 14 لسنة 2025، المادة 12
[17] قانون تنظيم التعامل بالأصول الافتراضية رقم 14 لسنة 2025، المادة 10
[18] Financial Action Task Force, Targeted Update on Implementation of the FATF Standards on Virtual Assets and Virtual Asset Service Providers (2025) pg.12, para 2.
[19] International monetary foundation, Virtual Currencies and Beyond: Initial Considerations (2016), pg 34, para 2.